top of page

محاضر الخروج في المدرسة المغربية: جدل التمديد واحتجاج الأساتذة على "السطو" على العطلة الصيفية

Dernière mise à jour : 31 juil.

ree

لطالما كان قطاع التعليم في المغرب محط أنظار واهتمام بالغين، فهو قاطرة التنمية ومستقبل الأجيال. بيد أن هذا القطاع الحيوي غالبًا ما يكون ساحة لجدالات عميقة وتوترات متجددة بين وزارة التربية الوطنية والأساتذة. ومن بين أبرز الملفات التي تشعل فتيل هذا الجدل كل موسم دراسي، قضية "محاضر الخروج"، التي تحولت من إجراء إداري روتيني إلى بؤرة احتجاجات واسعة النطاق، خاصة مع إعلان الوزارة عن تمديد فترة التوقيع عليها لتمتد إلى 11 يوليوز، وفقًا للمقرر الدراسي للموسم القادم (2025/2026). هذا التمديد اعتبره عدد من الأساتذة محاولة "للسطو" على عطلتهم الصيفية وحقهم في الراحة بعد عام دراسي حافل بالجهد والعطاء.

يهدف هذا المقال إلى الغوص في تفاصيل هذا الجدل، مستندًا إلى المعلومات الرسمية والتصريحات الموثوقة، مع تحليل أبعاد الأزمة وتأثيراتها على المنظومة التربوية المغربية. سيتناول المقال الجذور التاريخية والإطار القانوني لمحاضر الخروج، ثم ينتقل إلى تفصيل المواقف المتباينة للوزارة والأساتذة والنقابات، مسلطًا الضوء على أشكال الاحتجاج، وتداعيات هذا الملف على علاقة الثقة بين الإدارة وهيئة التدريس، مختتمًا بآفاق الحلول الممكنة لضمان استقرار المدرسة المغربية وتحقيق إصلاح التعليم المنشود.


الأصول الإدارية لمحاضر الخروج: إطار قانوني وجدل التطبيق


تُعد محاضر الخروج جزءًا لا يتجزأ من الإجراءات الإدارية المعمول بها في الوظيفة العمومية المغربية، وقطاع التعليم ليس استثناءً. تهدف هذه المحاضر، من الناحية الإدارية، إلى تنظيم عملية مغادرة الموظف لمقر عمله، وضمان تسليم العهدة، وتحديد تاريخ انتهاء المهام بشكل دقيق.


أ. الأسس القانونية والتنظيمية:


تستند وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة في مطالبتها بتوقيع محاضر الخروج إلى مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية. يأتي في مقدمة هذه النصوص الظهير الشريف رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958، المتعلق بالنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية، والذي يحدد حقوق وواجبات الموظفين. كما تعتمد الوزارة على المذكرات الوزارية المنظمة للمواسم الدراسية، والتي غالبًا ما تحدد آجالًا محددة لإتمام الإجراءات الإدارية المرتبطة بنهاية كل سنة دراسية.

من منظور الوزارة، فإن توقيع محضر الخروج يضمن:

  • تسليم العهدة: التأكد من تسليم الأستاذ لجميع الوثائق الإدارية، الأدوات التعليمية، التجهيزات المدرسية، والممتلكات التابعة للمؤسسة، مما يحمي المال العام ويضمن استمرارية العمل.

  • ضبط الوضعية الإدارية: توثيق تاريخ المغادرة الفعلي للأستاذ، وهو أمر حيوي لحساب العطل السنوية، وتحديد تاريخ الالتحاق بالمؤسسة الجديدة في حال الانتقال، وتسهيل الإجراءات المالية.

  • الحكامة والمساءلة: يُعتبر المحضر وثيقة رسمية تضفي الشفافية على عملية المغادرة، وتوفر إطارًا للمساءلة في حال وجود أي إخلال بالواجبات.


ب. جدل التطبيق والتفسير:


رغم وضوح الأهداف الإدارية، فإن الجدل حول محاضر الخروج لا ينبع من مبدأها، بل من طريقة تطبيقها، خصوصًا فيما يتعلق بتوقيتها وإلزاميتها. تاريخيًا، كانت هذه الإجراءات تتم بمرونة أكبر، لكن الوزارة بدأت تفرضها بصرامة متزايدة في السنوات الأخيرة، مستخدمة مذكرات أكثر تشددًا، مما أثار حفيظة الأساتذة والنقابات.

إن تحول محضر الخروج إلى نقطة خلافية رئيسية يؤكد أن القضية تتجاوز مجرد إجراء بيروقراطي، لتعكس تراكمات من التوتر وسوء الفهم بين طرفين أساسيين في المنظومة التعليمية، وهما الإدارة وهيئة التدريس، وتلقي بظلالها على جودة التعليم والانسجام داخل المدرسة المغربية.


احتجاج الأساتذة: تمديد التوقيع و"السطو" على العطلة الصيفية


برزت قضية تمديد فترة التوقيع على محاضر الخروج في المقرر الدراسي القادم (2025/2026) إلى 11 يوليوز كشرارة جديدة لـاحتجاجات الأساتذة، الذين يرون في هذا القرار محاولة واضحة من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة "للسطو" على عطلتهم الصيفية المكتسبة.


أ. الاتهامات بـ"السطو" على العطلة:


صرح فيصل العرباوي، عضو "التنسيقية الوطنية للأساتذة ضحايا تجميد الترقية" و"تنسيقية الأساتذة حاملي الشواهد العليا"، بأن الوزارة "تجسد نيتها المعروفة في تقليص عطلة الأساتذة خلال الصيف إلى أقل من شهرين". هذا التصريح يعكس اعتقادًا راسخًا لدى شريحة واسعة من الأساتذة بأن القرار يستهدف بشكل مباشر حقهم في الراحة.

من جهته، أكد عثمان الرحموني، أستاذ التعليم الثانوي، أن الوزارة أظهرت سعيها الواضح لـ"تقليص العطلة الصيفية إلى أقل من شهرين"، دون الأخذ بعين الاعتبار طبيعة القطاع وجهود الأساتذة طيلة السنة. هذه التصريحات تبرز حالة الغضب والقلق لدى الأساتذة من أن تمتد التزاماتهم الإدارية إلى عمق العطلة التي يعتبرونها حقًا مشروعًا بعد عام دراسي طويل وشاق.


ب. عدم مراعاة طبيعة عمل الأساتذة:


ينتقد الأساتذة تفاصيل المقرر الدراسي للعام القادم، معتبرين إياه "لا يراعي طبيعة عمل الأساتذة طيلة السنة". يشير العرباوي إلى أن قطاع التعليم العمومي، على الرغم من كونه جزءًا من الوظيفة العمومية، إلا أن به مميزات تجعله "استثناء" مقارنة بباقي القطاعات. فمهنة التدريس تتطلب مجهودًا ذهنيًا وبدنيًا كبيرين طيلة العام الدراسي، مما يجعل الحق في عطلة صيفية كافية أمرًا حيويًا لتجديد الطاقات والاستعداد للموسم الجديد.


ج. إدخال التكوينات الإلزامية في يوليوز:


يزيد من حدة غضب الأساتذة إدخال الوزارة "تكوينات إلزامية في شهر يوليوز" بالتزامن مع تمديد زمن توقيع محاضر الخروج. وحذر العرباوي من وجود سعي واضح للوزارة لـ"تمديد توقيع محاضر الخروج إلى أواخر شهر يوليوز"، وهو ما أكده الرحموني مشيرًا إلى أن "هناك أساتذة محرومون من عطلتهم الصيفية هذا الشهر بسبب ذلك".

ويوضح الرحموني أن الأساتذة "ليسوا ضد التكوين والارتقاء بخدماتهم، بل ضد السطو على حقهم في عطلة صيفية تناسب مجهوداتهم". هذا الموقف يكشف عن أن الاعتراض ليس على مبدأ التكوين المهني في حد ذاته، بل على توقيته الإلزامي الذي يتزامن مع فترة العطلة الصيفية التي تعتبر حقًا مكتسبًا.


د. المطالبة بإلغاء التوقيع الحضوري:


طالب المتحدثون، بشكل عام، بـ"إلغاء صيغ توقيع محاضر الخروج بشكل حضوري". ويوضح العرباوي أن هذا الأمر يزيد من متاعب الأساتذة القاطنين في مدن بعيدة عن مراكز التوقيعات، مما يفرض عليهم عبء التنقل والمصاريف الإضافية في فترة العطلة التي يفترض أن تكون للراحة بعيدًا عن الالتزامات المهنية. إن هذا المطلب يشير إلى الحاجة الماسة لتبني حلول رقمية ومرنة تتماشى مع متطلبات العصر وتخفف من الأعباء البيروقراطية على الأساتذة.

تؤكد هذه التصريحات والمطالب أن جدل محاضر الخروج ليس مجرد نزاع إداري، بل هو صراع حول الحقوق، الكرامة المهنية، وتقدير طبيعة مهنة التعليم وما تتطلبه من ظروف عمل مواتية.


دور النقابات و"التنسيقيات": الصوت الموحد للاحتجاج


في سياق الجدل حول محاضر الخروج، تلعب النقابات التعليمية والتنسيقيات دورًا محوريًا كصوت معبر عن احتجاج الأساتذة، ومحاولة للدفاع عن حقوقهم المكتسبة. هذه الفعاليات النقابية والمهنية تُعد حائط الصد الأول في مواجهة ما تعتبره "مسًا" بكرامة الأستاذ وحقوقه.


أ. توحيد الصفوف وبلورة المواقف:


تاريخيًا، كانت النقابات التعليمية الكبرى (مثل الجامعة الوطنية للتعليم - UMT، النقابة الوطنية للتعليم - CDT، الجامعة الحرة للتعليم - UGTM، الجامعة الوطنية للتعليم - FNE) تتوحد في مواجهة القرارات التي تمس كرامة الأساتذة وحقوقهم. في قضية محاضر الخروج، اتخذت هذه النقابات، بالإضافة إلى تنسيقيات الأساتذة المختلفة (كـ"التنسيقية الوطنية للأساتذة ضحايا تجميد الترقية" و"تنسيقية الأساتذة حاملي الشواهد العليا" المشار إليها في التصريحات)، مواقف متقاربة ورافضة لقرار تمديد فترة التوقيع.

تتمثل أدوار النقابات والتنسيقيات في هذا السياق في:

  • التعبئة والإرشاد: توعية الأساتذة بأبعاد القرار وتأثيراته السلبية على حقوقهم، وحثهم على مقاطعة توقيع المحاضر أو التعبير عن رفضهم بشتى الطرق المشروعة.

  • إصدار البيانات والبلاغات: إصدار بيانات رسمية قوية تندد بالقرار، وتفند مبررات الوزارة، وتطالب بالتراجع عنه أو إيجاد بدائل مقبولة.

  • التنسيق المشترك: عقد اجتماعات تنسيقية بين مختلف الفعاليات النقابية والمهنية لتوحيد الرؤى وتحديد استراتيجيات العمل المشترك، بما يضمن قوة الموقف وتأثيره.


ب. الدفاع عن الحق في العطلة:


المحور الأساسي لدفاع النقابات والتنسيقيات يدور حول الحق في العطلة السنوية كحق مكفول بموجب القانون. يرون أن إجبار الأساتذة على الالتزام بإجراءات إدارية في عمق العطلة هو مساس بهذا الحق، وخرق لمبدأ الراحة بعد موسم عمل شاق. فهم يؤكدون أن الأستاذ المغربي يستحق تقديرًا لجهوده، وليس تضييقًا على حقه في الاسترخاء وتجديد الطاقات.


ج. المطالبة ببدائل حضارية:


لا تقتصر مطالب النقابات على رفض القرار، بل تمتد إلى اقتراح بدائل أكثر مرونة وحضارية. فبدلًا من التوقيع الحضوري الذي يسبب متاعب جمة للأساتذة، خاصة القاطنين منهم بعيدًا عن مقار عملهم، تقترح النقابات اعتماد آليات رقمية ومرنة لضبط الوضعيات الإدارية، مثل التوقيع الإلكتروني أو الاكتفاء بتسليم العهدة المادية للمؤسسة. هذا التوجه يتلاءم مع التطورات التكنولوجية الحديثة ومع مبدأ تبسيط المساطر الإدارية.

إن الدور الذي تلعبه النقابات والتنسيقيات في هذا الجدل يؤكد على أهمية الحوار الاجتماعي كآلية أساسية لتجاوز الخلافات في قطاع التعليم. فغياب الحوار الجاد أو عدم الأخذ بمطالب الشغيلة يدفع نحو التصعيد، مما يؤثر على استقرار المنظومة التربوية ويعيق مسار إصلاح التعليم الذي تسعى إليه المملكة.


ردود الوزارة: إدارة الأزمة وتحديات الحكامة في التعليم العمومي


تجد وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة نفسها أمام تحدٍ مزدوج في إدارة جدل محاضر الخروج. فمن جهة، تسعى لتطبيق ما تعتبره إجراءات ضرورية لضمان الحكامة والانضباط في التعليم العمومي، ومن جهة أخرى، تواجه مقاومة شديدة من الأساتذة والنقابات. تتسم ردود فعل الوزارة بالتأكيد على صلاحية قراراتها، مع التلويح بالعقوبات في بعض الأحيان، ومحاولة تبرير الإجراءات المتخذة.


أ. التأكيد على إلزامية المقرر الوزاري:


صدر مقرر الوزارة للموسم الدراسي المقبل، والذي نص على توقيع محاضر الخروج بالنسبة لأطر وموظفي هيئة التربية والتعليم بمختلف الأسلاك التعليمية وهيئة الأساتذة الباحثين، باستثناء المكلفين بإنجاز مهام، وهيئة التفتيش والتأطير والمراقبة والتقييم، يوم 11 يوليوز 2026. هذا النص يؤكد إصرار الوزارة على تطبيق الإجراء، ويعتبره جزءًا لا يتجزأ من التنظيم الإداري للسنة الدراسية.

تعتبر الوزارة هذا الإجراء ضروريًا لتحقيق:

  • الانضباط الإداري: ضمان حضور الأساتذة والتزامهم بالمهام الموكلة إليهم حتى آخر يوم عمل رسمي، ومحاربة ظاهرة الغياب غير المبرر.

  • الحكامة الجيدة: تحديد المسؤوليات بدقة، وحماية الممتلكات العمومية للمؤسسات التعليمية، وتسهيل الإجراءات الإدارية والمالية المرتبطة بانتقال الموظفين أو تصفية وضعياتهم.

  • استمرارية المرفق العمومي: ضمان حسن سير العمل في المؤسسات التعليمية وعدم تعطله بسبب عدم تسليم العهدة أو عدم وضوح الوضعيات الإدارية للأطر.


ب. المبررات الرسمية ومواجهة الانتقادات:


في سياق الجدل، غالبًا ما تبرر الوزارة قراراتها بالحرص على المصلحة العامة، وحسن سير المرافق العمومية. فمن وجهة نظرها، الإجراءات المتخذة هي لضبط العمل الإداري وضمان فعاليته، وليست موجهة بشكل شخصي ضد الأساتذة.

تُرد الوزارة ضمنيًا على الانتقادات الموجهة لها، مؤكدة أن الإجراءات تتم في إطار القانون المنظم للوظيفة العمومية، وأن الهدف هو سد الثغرات التي قد تؤدي إلى إهدار الزمن المدرسي أو إعاقة السير العادي للمؤسسات التعليمية. كما قد تشير إلى أن التكوينات الإلزامية التي يتم إدراجها في شهر يوليوز تهدف إلى الارتقاء بالمستوى المهني للأساتذة وتحسين جودة التدريس، وهو ما يخدم مصلحة إصلاح التعليم.


ج. تحديات الوزارة في إدارة الأزمة:


تواجه الوزارة تحديات عدة في التعامل مع ملف محاضر الخروج:

  • موازنة الضبط الإداري ورضا الموظفين: كيف يمكن للوزارة أن تضمن تطبيق القوانين والإجراءات الإدارية دون إثارة غضب الأساتذة أو المساس بكرامتهم المهنية؟

  • تجنب التصعيد: تخشى الوزارة من أن يؤدي التشدد المفرط في تطبيق الإجراءات إلى تصعيد في احتجاجات الأساتذة، مما قد يؤثر على استقرار الموسم الدراسي ويزيد من حدة التوتر في المدرسة المغربية.

  • الحفاظ على صورة القطاع: يؤثر استمرار الجدل على الصورة العامة لقطاع التعليم، ويضعف الثقة فيه لدى الرأي العام وأولياء الأمور.

تُظهر ردود الوزارة أنها تسعى إلى فرض رؤيتها لتدبير الموارد البشرية في قطاع التعليم، معتمدة على سلطتها التنظيمية. لكن استمرار الجدل يؤكد على أن الحلول الإدارية البحتة قد لا تكون كافية، وأن هناك حاجة ملحة لمقاربة شاملة تجمع بين تطبيق القانون وروح الثقة، وبين الحرص على الحكامة وتقدير جهود وكفاءات الأساتذة.


تداعيات الجدل على المنظومة التربوية: من الثقة إلى التوتر


لا يقتصر تأثير جدل محاضر الخروج على العلاقة المباشرة بين وزارة التربية الوطنية والأساتذة، بل يمتد ليشمل المنظومة التربوية المغربية برمتها، ملقيًا بظلاله على جوانب متعددة تتجاوز الإجراءات الإدارية الشكلية. هذه التداعيات يمكن أن تكون لها آثار عميقة على المدى القصير والمتوسط.


أ. تآكل الثقة بين الإدارة وهيئة التدريس:


يُعد تآكل الثقة المتبادلة بين الإدارة التربوية والأساتذة من أخطر تداعيات هذا الجدل. فالتأكيد المستمر على توقيع محاضر الخروج بهذه الصرامة، وتصريحات الأساتذة التي تشير إلى "السطو" على عطلتهم، يخلق مناخًا من الريبة والشك.

  • ضعف معنويات الأساتذة: الأستاذ الذي يشعر بعدم التقدير أو أن جهوده لا تحظى بالثقة الكافية، قد تتأثر معنوياته وحماسه، مما ينعكس سلبًا على أدائه وعطائه التربوي، وإن كان ذلك بشكل غير مباشر.

  • صعوبة التنسيق والتعاون: بيئة العمل التي تسودها التوترات والخلافات الإدارية قد تعيق جهود التنسيق والتعاون الضروري بين الإدارة والأساتذة لتحقيق الأهداف التربوية المشتركة.


ب. تأثير على جودة التعليم والبيئة البيداغوجية:


على الرغم من أن قضية محاضر الخروج هي قضية إدارية بحتة، إلا أن تبعاتها يمكن أن تطال جودة التعليم في المدرسة المغربية:

  • تشتيت الانتباه عن الجوهر: بدلًا من التركيز على تطوير المناهج، تحسين أساليب التدريس، ومعالجة التعثرات الدراسية، ينشغل الفاعلون بقضايا إدارية تستهلك الوقت والجهد والطاقة.

  • خلق بيئة غير محفزة: الأستاذ الذي يرى أن حقه في الراحة مهدد، أو أن جهده لا يُقدر، قد يفقد جزءًا من حافزه للابتكار والتفاني، مما ينعكس على الأجواء داخل الفصل الدراسي.

  • إهدار الموارد والوقت: تستنزف الاجتماعات، الوقفات الاحتجاجية، والمراسلات المتعلقة بهذا الجدل، وقتًا وموارد كان يمكن استغلالها بشكل أفضل في أنشطة تعليمية أو تطويرية.


ج. صورة القطاع والتأثير على جاذبية المهنة:


يُساهم استمرار مثل هذه النزاعات في تشويه الصورة العامة لقطاع التعليم العمومي في المغرب:

  • صورة قطاع متوتر: يعزز هذا الجدل الصورة النمطية للقطاع كبيئة عمل تعاني من صراعات مستمرة، مما قد يؤثر على ثقة الرأي العام وأولياء الأمور.

  • تراجع جاذبية المهنة: قد تؤثر هذه التوترات على جاذبية مهنة التعليم بالنسبة للشباب المؤهلين، الذين قد يفضلون التوجه لقطاعات أخرى توفر بيئة عمل أكثر استقرارًا وتقديرًا. هذا له تبعات خطيرة على استقطاب الكفاءات المستقبلية لـالتعليم في المغرب.


د. إعاقة مسار الإصلاح التربوي:


في ظل سعي المغرب لتنزيل إصلاحات هيكلية في قطاع التعليم، يمكن أن تُشكل هذه الخلافات عائقًا أمام تحقيق الأهداف المنشودة. فالإصلاح يتطلب انخراطًا وتعبئة جماعية من جميع الأطراف، وهو أمر يصعب تحقيقه في أجواء التوتر وغياب الثقة. إن التركيز على النزاعات الإدارية قد يؤجل مناقشة القضايا الجوهرية لـإصلاح التعليم، ويعرقل تنفيذ المشاريع الكبرى التي تتطلب تضافر الجهود.

تؤكد هذه التداعيات أن جدل محاضر الخروج هو بمثابة "جرس إنذار" حول ضرورة إعادة النظر في مقاربات تدبير الموارد البشرية في قطاع التعليم، والتوجه نحو بناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام، لضمان استقرار وفعالية المنظومة التربوية وتحقيق أهدافها التنموية.


آفاق الحل: حوار مسؤول وبدائل عصرية لفض النزاع


إن استمرار الجدل حول محاضر الخروج وتمديد فترة توقيعها، وتصاعد احتجاجات الأساتذة، يستدعي مقاربة شاملة ومستدامة لفض هذا النزاع. يجب أن ترتكز هذه المقاربة على الحوار الاجتماعي البناء، والبحث عن بدائل إدارية عصرية، وتعزيز الثقة بين الأطراف لضمان استقرار وفعالية المنظومة التربوية المغربية.


أ. ضرورة الحوار الاجتماعي الجاد والمسؤول:


يُعد الحوار الاجتماعي القناة الأوحد والأنجع لتجاوز هذا النوع من الخلافات. يجب على وزارة التربية الوطنية والنقابات التعليمية أن تتبنى مقاربة حوارية شاملة تتميز بـ:

  • الاستمرارية والانتظام: يجب ألا يقتصر الحوار على لحظات الأزمات، بل ينبغي أن يكون مستمرًا ومنتظمًا، ضمن لجان مشتركة دائمة لبحث القضايا التي تهم الشغيلة التعليمية.

  • المرونة والاستماع: يجب على الوزارة إظهار مرونة أكبر في التعامل مع مطالب الأساتذة والاستماع بعناية لمخاوفهم وتبريرات النقابات. فالتصلب في المواقف لا يؤدي إلا إلى تأجيج الأزمات.

  • البحث عن حلول توافقية: الهدف من الحوار ليس فرض وجهة نظر، بل إيجاد حلول توافقية ترضي جميع الأطراف وتحفظ حقوق الجميع، مع الأخذ في الاعتبار مصلحة المدرسة المغربية والتلميذ. يمكن للنقابات أن تقدم اقتراحات بناءة ومسؤولة، توازن بين حقوق الأساتذة ومتطلبات الإدارة.


ب. اعتماد بدائل إدارية عصرية ومرنة:


في ظل التطور التكنولوجي، لا يوجد مبرر للتشبث بإجراءات إدارية قديمة تخلق احتكاكات غير ضرورية. يمكن للوزارة اعتماد بدائل أكثر فعالية ومرونة لضبط الحضور وتسليم العهدة:

  • الرقمنة وتبسيط المساطر: يمكن الاستفادة من التحول الرقمي لاعتماد منصات إلكترونية لتسجيل المغادرة والالتحاق، مع إمكانية التوقيع الإلكتروني. هذا يقلل من العبء الإداري على الأساتذة، خاصة القاطنين منهم في مدن بعيدة، ويضمن الشفافية والمساءلة دون الحاجة إلى الحضور المادي المثير للجدل.

  • تحديد المهام بدقة: يجب أن تكون المهام الموكلة للأساتذة في نهاية الموسم الدراسي واضحة ومحددة، وأن تقتصر على الضروريات البيداغوجية والإدارية، مع مراعاة حقهم في العطلة السنوية.

  • تعزيز الثقة في المهنية: بدلًا من الشك المسبق، يجب أن تبني الإدارة علاقتها بالأساتذة على الثقة في مهنيتهم ومسؤوليتهم. يمكن اعتماد آليات مبسطة لتسليم العهدة المادية للمعدات والوثائق المهمة دون أن يشعر الأستاذ بأنه يوقع على "براءة ذمة" تشكك في نزاهته.


ج. المراجعة الشاملة لمضامين المقرر الدراسي:


يجب أن تتخذ وزارة التربية الوطنية من هذا الجدل فرصة لإعادة النظر في مضامين المقرر الدراسي، خاصة فيما يتعلق بالجوانب الإدارية التي تثير حساسيات. فالمقرر الدراسي يجب أن يكون محفزًا ومشجعًا للأساتذة على العطاء، لا مصدرًا للتوتر والإرهاق.

  • التكوينات المهنية: إذا كانت هناك حاجة لتكوينات إلزامية، فيجب أن يتم تحديد توقيتها بعناية، بحيث لا تتعارض مع الحق في العطلة الصيفية، أو أن يتم تعويض الأساتذة عنها بشكل مناسب إذا فرضت عليهم خارج أوقات العمل الرسمية.


د. ترسيخ مبدأ تقدير المجهود والكفاءة:


يُعد تقدير المجهود والكفاءة من أهم عوامل تحفيز الأساتذة وتفانيهم في العمل. يجب أن يشعر الأستاذ بأن مجهوداته طيلة السنة تحظى بالتقدير والاحترام من قبل إدارته. فكرامة الأستاذ هي جزء لا يتجزأ من كرامة التعليم العمومي.

إن حل جدل محاضر الخروج يمثل خطوة أساسية نحو استعادة الثقة والاستقرار في التعليم في المغرب. إنه يتطلب إرادة سياسية حقيقية من وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، وروحًا توافقية من النقابات التعليمية، وفهمًا مشتركًا بأن مصلحة المدرسة المغربية والتلميذ فوق كل اعتبار. بهذا فقط يمكن تجاوز هذا الجدل والانطلاق نحو إصلاح تربوي شامل ومنشود، يضع الأستاذ في صلب العملية التعليمية، ويضمن له ظروف عمل تليق بمكانته ورسالته النبيلة.

Commentaires

Noté 0 étoile sur 5.
Pas encore de note

Ajouter une note
bottom of page