دكاترة التعليم بالمغرب: صرخة من أجل الإنصاف والإدماج الشامل في مواجهة "المماطلة" و"الطعن في النزاهة"
- TA3LIM24
- 10 juil.
- 7 min de lecture

مقدمة: ملف دكاترة التعليم.. عقود من الانتظار وتصعيد يلوح في الأفق
يبرز ملف دكاترة التعليم بالمغرب كأحد أبرز القضايا الشائكة التي طال أمدها، والتي تعكس تحديات عميقة تواجه وزارة التربية الوطنية في تدبير الموارد البشرية وتثمين الكفاءات. فبعد سنوات طويلة من الانتظار ومجموعة من الوعود، عادت قضية الدكاترة العاملين بقطاع التربية الوطنية لتطفو على السطح بقوة، لتتخذ منحى تصعيديًا غير مسبوق. يأتي هذا التصعيد في ظل ما يعتبره الاتحاد الوطني لدكاترة المغرب العاملين بوزارة التربية الوطنية "مماطلة ممنهجة" من طرف الوزارة، وما شاب عملية الانتقاء الأخيرة من "خروقات فاضحة" أثارت شكوكًا واسعة حول نزاهتها وشفافيتها. يطالب هؤلاء الدكاترة، الذين بذلوا سنوات طويلة في التحصيل العلمي ونيل أعلى الدرجات الأكاديمية، بالإدماج الشامل والفوري في إطار "أستاذ باحث"، وهو المطلب الذي يرونه حقًا مشروعًا يتوافق مع مؤهلاتهم وتضحياتهم.
إن هذا المقال سيتناول بعمق جذور هذه الأزمة، وتحليل مطالب الدكاترة، وموقف وزارة التربية الوطنية، وتداعيات هذا التصعيد على المنظومة التعليمية، وكذا دور النقابات التعليمية المغرب في دعم هذه الفئة، مع التأكيد على أهمية إيجاد حلول جذرية تضمن كرامة الأستاذ ودوره المحوري في إصلاح التعليم بالمغرب. سنستكشف أبعاد هذا الملف من مختلف الزوايا، بما في ذلك الجوانب القانونية، والاجتماعية، والتأثير المحتمل على جودة البحث العلمي والتدريس في المنظومة التربوية المغربية.
الجذور التاريخية لملف دكاترة التعليم: مسار طويل من الوعود والانتظار
لم تكن دعوة دكاترة التعليم للتصعيد وليدة اللحظة، بل هي تتويج لمسار طويل من النضال والانتظار. يعود هذا الملف إلى سنوات عديدة، حيث تخرج آلاف الدكاترة من مختلف الجامعات المغربية والأجنبية، حاملين شهادات عليا تؤهلهم للمساهمة الفعالة في البحث العلمي وتجويد التعليم. غير أن هؤلاء الدكاترة، الذين يعملون في الغالب في إطارات وظيفية لا تتناسب مع مؤهلاتهم العلمية (كأساتذة التعليم الابتدائي أو الثانوي أو الأطر الإدارية)، وجدوا أنفسهم خارج سياق المهام التي يفترض أن يضطلع بها "الأستاذ الباحث".
لقد كانت هناك محاولات متعددة من قبل الوزارة الوصية لمعالجة هذا الملف، تمثلت في فتح مباريات للتوظيف أو الانتقاء، غير أن هذه العمليات غالبًا ما كانت تثير الجدل بسبب محدوديتها أو الشكوك التي تحوم حول شفافيتها.
دواعي التصعيد: "المماطلة" و"الخروقات الفاضحة" لعملية الانتقاء الأخيرة
تمثل عملية الانتقاء التي انطلقت في يونيو 2024 نقطة تحول حاسمة في ملف دكاترة التعليم، وكانت الشرارة التي أذكت دعوة الاتحاد للتصعيد. فقد أكد بيان الاتحاد على وجود "مماطلة ممنهجة للوزارة الوصية" في التعاطي مع هذا الملف، مشددًا على أن هذه المماطلة ليست مجرد تأخير عابر، بل هي سياسة ممنهجة تهدف إلى إطالة أمد المشكل وتفادي حلول جذرية.
أما النقطة الأكثر إثارة للقلق والاحتجاج، فهي "الخروقات الفاضحة" التي شابت عملية الانتقاء الأخيرة. لم يكتفِ الاتحاد بذكر هذه الخروقات بشكل عام، بل أوضح أنها ارتبطت بـ"المحسوبية والزبونية"، مما أفرز نتائج "مشكوكًا في نزاهتها". هذه الاتهامات الخطيرة تشير إلى غياب مبادئ الاستحقاق وتكافؤ الفرص، وهما ركيزتان أساسيتان لأي عملية توظيف أو انتقاء عادلة وشفافة في الوظيفة العمومية.
يشير البيان إلى أن الغموض وغياب المعايير الموضوعية في عملية الانتقاء أديا إلى إقصاء "فئات واسعة من الكفاءات الأكاديمية وأصحاب الخبرة الميدانية"، في مقابل "تمرير أسماء محسوبة على جهات محددة". هذا الأمر لا يمس فقط بكرامة الدكاترة ويشعرهم بالغبن، بل يوجه ضربة قوية لمصداقية الإدارة العمومية ويقوض الثقة في نظام الانتقاء والتوظيف. إن مثل هذه الممارسات، إذا ما ثبتت صحتها، يمكن أن تؤدي إلى هدر كبير في الطاقات والكفاءات، مما يؤثر سلبًا على جودة المنظومة التعليمية وقدرتها على التطور والابتكار.
مطالب الدكاترة: الإدماج الشامل وإحداث هيئة خاصة
تتركز مطالب دكاترة التعليم، كما وردت في بيان الاتحاد، حول نقطتين أساسيتين:
1. الإدماج الشامل والفوري في إطار "أستاذ باحث"
هذا هو المطلب المحوري الذي يرفعه الدكاترة. فالدكتوراه ليست مجرد شهادة إضافية، بل هي تأهيل علمي عميق يفتح آفاقًا واسعة في مجال البحث والتطوير. يرى الدكاترة أن إطار "أستاذ باحث" هو الإطار الطبيعي الذي يتوافق مع مؤهلاتهم العلمية، ويضمن استغلال طاقاتهم البحثية بشكل أمثل. هذا الإدماج لا يعني فقط تغييرًا في المسمى الوظيفي أو الأجرة، بل يعني تكليفهم بمهام تتوافق مع تخصصاتهم ومؤهلاتهم العلمية، مثل التدريس بالتعليم العالي، والإشراف على البحوث، والمشاركة في مشاريع التنمية. كما أنهم يتابعون بلاغات وزارة التربية الوطنية عن كثب و بشكل يومي.
2. إحداث مرسوم خاص بهيئة الدكاترة الباحثين
يُطالب الاتحاد بضرورة إحداث مرسوم خاص بهيئة الدكاترة الباحثين التابعين للوزارة، أسوة بباقي الفئات المماثلة في قطاعات أخرى. هذا المطلب يؤكد على ضرورة الاعتراف القانوني بهذه الفئة وتحديد مهامها وصلاحياتها وحقوقها وواجباتها بشكل واضح ومفصل. فغياب إطار قانوني خاص بهم يجعل وضعيتهم "غير مستقرة" و"غير معترف بها" بالكامل، مما يفتح الباب أمام التهميش وعدم الاستفادة من خبراتهم بالشكل الأمثل.
تُعد المادة 35 من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية نقطة مرجعية مهمة للدكاترة في مطالبتهم، حيث يرون فيها حلاً واضحًا يستجيب لمطالبهم، ويجب على الوزارة تفعيلها لتحقيق التسوية الشاملة لملفهم. هذا الحل القانوني من شأنه أن ينهي سنوات من الانتظار والغموض، ويضع حدًا للتهميش الذي يطال هذه الفئة المهمة.
3. اقتراح إحداث مختبرات وبنيات للبحث
من بين المقترحات البناءة التي تقدم بها الاتحاد، الدعوة إلى إحداث مختبرات وبنيات للبحث ومراكز للدراسات داخل الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية. يهدف هذا الاقتراح إلى توجيه الدكاترة للعمل في هذه البنيات في مهام البحث والتكوين والتأطير والتخطيط التربوي. هذه الخطوة، إذا ما تم تطبيقها، ستشكل قفزة نوعية في المنظومة التعليمية، وستساهم في:
تجويد المنظومة التربوية: من خلال إدماج البحث العلمي في صلب العملية التعليمية.
استغلال الطاقات: وضع حد لهدر طاقات الدكاترة وتوجيهها نحو مهام تتوافق مع تخصصاتهم.
حل جذري: المساهمة في حل شامل وعادل لملف الدكاترة، وتحويلهم من "مشكل" إلى "قوة دافعة" للتنمية.
دور النقابات التعليمية: دعم مستمر وتنسيق من أجل الكرامة
تلعب النقابات التعليمية المغرب دورًا حيويًا في الدفاع عن حقوق ومصالح الشغيلة التعليمية. وفي سياق ملف دكاترة التعليم، برز دورها في دعم مطالب هذه الفئة ورفع صوتها إلى وزارة التربية الوطنية. فالاتحاد الوطني لدكاترة المغرب، وإن كان يمثل هذه الفئة تحديدًا، إلا أنه غالبًا ما يجد الدعم والمساندة من قبل باقي تنسيق النقابات التعليمية التي ترى في هذا الملف قضية عادلة تستحق الدفاع عنها.
تشارك النقابات في الترافع عن هذا الملف في مختلف اللقاءات والحوارات مع الوزارة، وتدعم دعوات الإضرابات التعليم بالمغرب والوقفات الاحتجاجية التعليم التي يقوم بها الدكاترة، كشكل من أشكال الضغط لتحقيق مطالبهم. إن بلاغ النقابات التعليمية المتواصل يؤكد على أهمية حل هذا الملف بشكل عاجل، وضرورة استجابة الوزارة لمطالب الدكاترة، التي تعتبر مطالب مشروعة تتوافق مع التوجهات العامة للمغرب نحو تثمين البحث العلمي وتطوير المنظومة التعليمية.
موقف وزارة التربية الوطنية: بين الوعود وصعوبة التنفيذ
تجد وزارة التربية الوطنية نفسها أمام تحدٍ كبير في التعاطي مع ملف دكاترة التعليم. فمن جهة، تعترف الوزارة بوجود هذه الفئة وبأهمية مؤهلاتها، ومن جهة أخرى، تواجه صعوبات في إيجاد حل شامل وسريع، نظرًا لتعقيد الملف وتداخل الجوانب المالية والإدارية والتنظيمية. غالبًا ما تعلل الوزارة التأخر في معالجة الملف بالضغوطات الميزانياتية، أو بضرورة إخضاع الحلول لدراسات معمقة لضمان استدامتها وتأثيرها الإيجابي على المنظومة.
ومع ذلك، فإن تعامل الوزارة مع عملية الانتقاء الأخيرة، وما شابها من اتهامات بـ"الخروقات"، يضع مصداقيتها على المحك. فإذا كانت الوزارة تسعى إلى بناء منظومة تعليمية قوية وشفافة، فإن عليها أن تكون قدوة في تطبيق مبادئ الشفافية والنزاهة في جميع عملياتها. إن مذكرات وزارية سابقة قد أشارت إلى نية الوزارة في تسوية هذا الملف، إلا أن وتيرة التنفيذ تظل بطيئة، مما يغذي شعور الدكاترة بـ"المماطلة" ويدفعهم نحو التصعيد.
إن حل ملف دكاترة التعليم يتطلب إرادة سياسية حقيقية، وتنسيقًا فعالًا بين مختلف القطاعات الحكومية المعنية، بالإضافة إلى الاستفادة من التجارب الدولية في تثمين الكفاءات الأكاديمية وربطها بالبحث العلمي والتطوير.
تداعيات التصعيد على المنظومة التعليمية: بحث علمي مهدد وجودة تعليمية على المحك
إن استمرار حالة الاحتقان في صفوف دكاترة التعليم ودعوتهم للتصعيد يحمل تداعيات سلبية محتملة على المنظومة التعليمية ككل. فالدكاترة يمثلون رأس الحربة في مجال البحث العلمي والابتكار، وإهمالهم أو تهميشهم يعني حرمان المنظومة من طاقات بحثية هائلة.
1. هدر الكفاءات والطاقات البحثية:
عندما لا يتم استغلال الدكاترة في مهام تتوافق مع مؤهلاتهم، فإن ذلك يؤدي إلى هدر كبير في الكفاءات. فبدلًا من أن يساهموا في تطوير المناهج، أو إجراء البحوث التربوية، أو تأطير الأجيال الجديدة من الباحثين، يجدون أنفسهم مكلفين بمهام إدارية أو تدريسية لا تستغل كامل قدراتهم البحثية. هذا الهدر يضر بشكل مباشر بمساعي وزارة التربية الوطنية لتجويد التعليم وتحقيق الأهداف الاستراتيجية لـإصلاح التعليم.
2. تراجع جودة البحث العلمي:
إن غياب إطار "أستاذ باحث" خاص بالدكاترة العاملين في قطاع التعليم المدرسي، وعدم توفير بنية تحتية للبحث (مختبرات ومراكز دراسات)، يعني تراجعًا محتملًا في جودة البحث العلمي التطبيقي في المجال التربوي. فالبحث العلمي هو قاطرة التنمية، و بدونه، يصبح التطور في أي قطاع بطيئًا وغير مستدام.
3. التأثير على نفسية الأسرة التعليمية:
إن استمرار ملف دكاترة التعليم دون حل يلقي بظلاله على نفسية الأسرة التعليمية ككل. فالشعور بالغبن وعدم الإنصاف يمكن أن يؤدي إلى تدني مستوى الرضا الوظيفي، وبالتالي التأثير على الأداء العام. كما أن الأخبار المتعلقة بـوظائف التعليم بالمغرب وامتحان مهني التعليم المغرب تصبح محط شكوك وريبة لدى الكفاءات الوطنية.
4. تشويه سمعة المنظومة:
اتهامات بـ"المحسوبية والزبونية" و"الخروقات" في عمليات الانتقاء تضر بسمعة المنظومة التعليمية ككل، وتؤثر على ثقة الرأي العام فيها. هذا الأمر قد يقلل من جاذبية مهنة التعليم للكفاءات الشابة، ويصعب من عملية استقطاب الأفضل لخدمة القطاع.
نحو حلول مستدامة: رؤية شاملة لملف دكاترة التعليم
لإيجاد حل نهائي وعادل لملف دكاترة التعليم، ينبغي على وزارة التربية الوطنية والحكومة المغربية تبني رؤية شاملة تستند إلى المبادئ التالية:
1. الإرادة السياسية الحازمة:
يتطلب حل هذا الملف إرادة سياسية حقيقية تضع مصلحة التعليم وتثمين الكفاءات في صدارة الأولويات. يجب أن تتجاوز هذه الإرادة مجرد الوعود إلى خطوات عملية ملموسة.
2. الشفافية والنزاهة:
يجب إعادة النظر في عملية الانتقاء الأخيرة، وفتح تحقيق عاجل ونزيه في الخروقات المزعومة، وإخضاعها لتدقيق شفاف لضمان حقوق كافة المرشحين. فاستعادة الثقة في عمليات الانتقاء أمر حيوي. يجب أن تكون جميع عمليات التوظيف والترقية شفافة وتعتمد على مبدأ الاستحقاق وتكافؤ الفرص، وهو ما يضمنه الدستور المغربي.
3. تفعيل المادة 35 وإحداث الإطار القانوني:
تفعيل المادة 35 من النظام الأساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية، وإحداث مرسوم خاص بهيئة الدكاترة الباحثين، أمر ضروري لإنهاء الوضعية "الغامضة" لهذه الفئة. هذا الإطار القانوني يجب أن يحدد بوضوح مهام "الأستاذ الباحث"، وأن يضمن لهم حقوقهم المادية والمعنوية، بما يتوافق مع مؤهلاتهم وتخصصاتهم.
4. استثمار الكفاءات في البحث والتطوير:
بدلًا من تهميشهم، يجب توجيه الدكاترة نحو مهام البحث والتكوين والتأطير والتخطيط التربوي. يمكن تحقيق ذلك من خلال:
إنشاء مختبرات ومراكز بحث: داخل الأكاديميات الجهوية والمديريات الإقليمية، أو حتى على مستوى المدارس العليا للأساتذة والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين.
ربط البحث العلمي باحتياجات المنظومة: توجيه بحوث الدكاترة لحل المشكلات التي تواجه المنظومة التعليمية، وتطوير المناهج والبرامج التعليمية.
المساهمة في التكوين المستمر: إشراك الدكاترة في برامج دروس الدعم المدرسي المغرب و التكوين المستمر للأساتذة والمؤطرين، بما يضمن نقل الخبرات وتجويد الممارسات التربوية.
5. الحوار البناء والمستمر:
يجب أن يستمر الحوار بين وزارة التربية الوطنية وممثلي دكاترة التعليم، والنقابات التعليمية المغرب، بطريقة بناءة ومسؤولة، بهدف التوصل إلى حلول توافقية تخدم مصلحة الجميع، وتجنب التصعيد الذي قد يؤثر سلبًا على استقرار المنظومة. يمكن لـتنسيق النقابات التعليمية أن يلعب دورًا وسيطًا مهمًا في هذا الحوار.
6. الاستفادة من التجارب المقارنة:
يمكن للمغرب أن يستفيد من تجارب دول أخرى في تثمين حاملي الدكتوراه وإدماجهم في قطاعات البحث العلمي والتعليم، بما يتناسب مع خصوصية المنظومة المغربية.

Commentaires